vendredi 31 août 2012

ذكريات فتاة و طموح صبية

 

كانت تنظر من شرفة غرفتها، تبتسم لرؤية أطفال يلعبون و تستمع لصيحات فرحهم تارة و خصامهم تارة أخرى، ما أروعهم عندما تسمعهم بسرعة يتصالحون!! تململت في صمت و بدأ شريط من الذكريات يمرّ في خا طرها...
كم أحبت المدرسة و احتضان أبيها لها بين ذراعيه لحملها و وضعها على مقاعد القسم كل عام كانت سُنَّتُهُ.. انتابها حنين لعطره كلما قبّلت خدّه اعترافا بجميل كان يقوم به بكل محبّة ليس لها مثيل. كانت عاجزة عن قول "شكرا بابا" خوفا من أن تظلمه، فأهدته كل سنة جائزتها التي تتحصّل عليها آخر كل عام دراسيّ لترى بريق الفخر ينتابه، دون علم منه أنها رسالة امتنان منها لأنه أعفاها من ركوب كرسيّ متحرّك اشتراه لها في عيد ميلادها التاسع.. حين أهداها أبواها رحلة إلى المملكة العربيّة السعودية و هناك اشتريا لها أوّل كرسي متحرك، أحبت الجلوس فيه للتنقل و زيارة أماكن عديدة. تغيّرت نظرتها للكرسيّ و صارت تفتخر بامتلاكه و ندمت على كل لحظة نفرته فيها.

كبرت الفتاة و صار كرسيها جزءً منها، به أصبحت تنظر إلى الحياة من زاوية أخرى، أحبّت أن تقترن شخصيّتها به فوهبت كل عواطفها لمن أحبها، و غضّت النظر عن من لم يَقْبَلَها فقط لإعاقتها.. كانت أحيانا تتساءل "ما ذنبي في خطإ طبيب جعلني مثلما أنا الآن؟" لكن أمثال هذا السؤال لم يعد يعني لها شيئا في كنف من أحبوها و يحبّونها حقيقة بتعاقب الزمان و اختلاف المكان.
حلّقت بخيالها كثيرا و كانت أيدي الأصدقاء يديها.. سخر بعض الناس من طموحها الذي لم يُكْبَحْ، و فوجئوا بأفق أمانيها يُفتَح.. كرهت أن يراها أحبّاؤها تتألّم فكانت الإبتسامة سلاحها الذي بسحره أي جرح في روح من يراها يلتئم.

الآن أين وصلت في أبعاد أفق الأحلام؟ هي هنا لا تزال رغم ما أحرزته في طريق النجاح من أميال، تبحث عن حواجز أخرى علّها تكمل كسرها فتترك طريقا سهلة العبور لأمثالها من الأجيال؛ زارت مدرستها الثانوية فابتسمت لرؤية منحدر لعبور كرسيها المتحرك و الذي صارعت للحصول عليه يُستعمل لفائدة أمثلها من ذوي الإعاقة... صارت تكتب و تتحدّث عَلَنًا في المناسبات المُتاحة: "ألا أيها الأولياء لا تخجلوا من أبناءكم، دعوهم يخرجون، امنحوهم فرصة التعبير و إثبات ذواتهم في مجتمعنا، و لما لا في خارج الوطن الحبيب فهم فخر لنا، دعوهم يفعلوا ال"مستحيل".. هذه الكلمة المضحكة التي حذفتها من معجمي و لكم أن تنظروا إلى عدد الميداليات التي حاز عليها ذوي الإعاقة. ألم يحطّموا أرقاما فاقت التوقعات بجدارة فائقة؟ ألم يرفعوا راية البلاد و مجدها؟!! هيا أيها الآباء و أيتها الأمهات شدّوا على أيدي فلذات الأكباد، أغمروهم حبا و فخرا، قدّموهم للأحبة و الأصدقاء. صدقوني لن تندموا فبالنحت صار الصخر تحفا أو هو الآن معلم في نظر الكل نفيس، و بالتنقيب صارت الصحارى جنانا و فراديس"

أقول ملء صوتي: "أنا تلك الفتاة التي كانت تختفي من نظرات جرّحت مشاعري، كسرت خاطري، هزّت للحظات  ثقتي بنفسي؛ كنت أُسأَلُ عن إعاقتي كأنني أنا المسؤولة عنها و كأنني ظالمة لأبويّ بوجودي.. لكن بفضل عناية إلهي و رعاية والديّ صرت أقوى أمام كل "مُساءلة" فأجيب و أناقش؛ الآن تخطّيتُ مرحلة الدموع و صرت أكثر تشبّثا بشخصيتي كفتاة من ذوي الإعاقة، بكل ما يتأجّج داخلي من حب الحياة و الإرادة. أحب دراستي و أعشق عملي، لم تنتهي مهمتي إذ أن ينبوع طموحي لن ينضب إلاّ مع آخر نفس في حياتي"
هذه بكلّ بساطة قصّة فتاة هي أنا... قصّة لبنى التي تعشق التأمّل في لوحة "الحياة" التي تبدو بأحداثها عتيدة و تصبو إلى ترك لمسة متواضعة على هذه اللوحة الفريدة.

لبنى صميدة

Aucun commentaire:

Enregistrer un commentaire